مذكرات جنين في غرفة الفحص




بينما كُنت مُتكورا، في بُقعة صغيرة جدا في هذا العالم،كُنت أرقب طبيب النّسائية،حيث كان يجول عيادته ذهابا وإيابا، كان يحمل أدوات ومَعدّات لا أدرك كنهها، ولا أعرف ما هي، ولا حتى لما تُستعمل، كُل ما أعرفه في ذاك الوَقت أنّها أشياء غريبة، جاء بواحدة منها، أخذت تقترب مني، أضاءت ما حَولي، تحوّل الليل الذي أعيشه لنور، بدت أشياء حولي واضحة، هُنا سائل كثيف، وهُناك حَبل ممدود يَصلني بذاك الجَسد الذي أسكن فيه،مددت كفي أخذت أتحسس ذاك السائل الذي أعيش فيه منذ زمن، كان لزجا كثيفا، يُحيطني من كل الجوانب ..
حرّكت كفي كي أمسك ذاك الحَبل الممتد، وإذ بي "أتشقلب" رأسا على عقب .
حاولت تفحص ما حدث، ولكن الليل عاد،وأظلم كل شيء حولي، حاولت النّظر خلف ذاك الجدار الذي يحجبني عن الحياة، وإذا بجدار أبيض، لم أعد أرى طبيب النسائية، أنصتُ قليلا وإذ به يقول : التفي نحو اليمين، استديري ..عرفت ساعتها أنّ أمي قد استدارت شمالا وهاهي تدور يمينا، ولذا استدرت معها، فصار وجهي نحو الظهر، وأخذت وضعية الرأس للأسفل، والقدمين للأعلى، وصار ظهري مواجها للطبيب ..
قالت أمّي : أمّا عرفت جنس المولود ..
ردّ الطبيب عليها : لم أستطع تحديد الجنس، فقد استدار وأصبح الظهر نحوي ..
قالت أمّي : لعله خير .. يأتي سليما والحمدلله ..
وبينما كُنت أستمع للحديث الذي يدور بينهما،كُنت أحاول الالتفات لرؤية ما يفعل الطبيب، لكن محاولات باءت بالفشل، وما أنْ أنهى الطبيب عمله، ونهضت أمي، كي تترك سرير الفحص، حتى استدرت وأخذت وضعية الجلوس، وَ أخذت أبتسم ..أبتسم تلك الابتسامة العريضة الهادئة، قائلا لنفسي لو رآني الطبيب الآن لأعاد فحص أمّي، ليعرف أذكر أنا أم أنثى..قلت ذلك ..ثمّ قررت تعجيز الطبيب، إذ عزمت على الاستدارة حين تعود أمّي مرة أخرى للفحص، ولن أدع الطبيب يعرف من أنا !
سأكون تلك المفاجأة لأمّي .. سأمنحها لحظات لن تتكرر .. سأكون القادم المميز !
نُشرت على منصة هواء 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رَسائل مُخملية

هل غير وعد ترامب شيئا على الأرض ؟!